المتابعون
حديث الموت
6/06/2010 | بقلم :
محمد حسني عرار |
تعديل الرسالة
طرقت المطرقة ُ بصوتها العليل، وأثارت العلة َ في جسدي النحيل واصفرارُ وجهي الذي يشبه الزيت الأصفر حالة اعتصار الزيتون، اصابعي ترددت خائفة من جور الأيام ونعق الغراب في بيتي، عيوني شخصت والكلف يحيطها وتجعدات الجفون وشحوبها سوّدت صفحة النظر البيضاء، يداي كانت مثل حجر الرحى ساقطة ً في جوف البحر، شعوري لجة ٌ مبهرج بالكذب، صبابة ٌ مخنوقة بالألم، حب مطروح بالدم، دنف يستقطرُ الدمع من أخاديدي ويستدّر ُ العبرات من عيوني، والغصات بين الكآبة والحزن ِ في رحلة الانهيار من العلاء الى أسفل السافلين.
اداروا عليّ الماء البارد والصقيع يعالج ُ اسناني المصطقة ببعضها كان صوتها مثل زقزقة الشحرور في حالة اختفاء خليلته في الغياب، صَبو علي العذاب من وعاء النار الحمراء وجوى القلبُ يهترئ من لؤم الحياة، نفضتُ عن عيني الدموع مهالة، سكبتها في ورقتي هذه ومضيتُ محدقا ً بالأفق من كوة النافذة بين جدران الوحدة والضياع في سجني الغربيبُ.
ناديت ُ بعد ان تمالكت نفسي من جهشها ونحيبها، بل صرخت بعد أن استجمعت اخر رمق ٍ في جسدي النحيل "يا موتُ تعالَ بجندك لتحرسني من الحياة، يا موت ُ صب علي من عطفك ِ ولطفك بأخذي من بين أحضان الدنيا، وامطر علي الغيث في محنتي، يا موت ُ تعال مسرعا ً، مهرولا ً، ماشيا ً، راكبا ً، عاديا ً، ولا تتردد في المجيء فانا انتظر لاستقبالك بفارغ الصبر".
بعد هذه الكلمات التي كانت مثل سحر النهوند الحزين في دقاته بين جدران الصمت، فُتحت نوافذ الموتِ مثل الباب السحري ورحبت بي لتأخذني اليها مودعا ً القصيدة التي اقترنت بي منذ الطفولة، مودعا ً قلمي الحميم رفيق عمري الذي لا يخونني ابدا ً، تاركا ً ورائي ابنائي الصغار من الكتب والدفاتر التي رسمت عليها هذياني.
رحلت ُ بعيداً الى دنيا اخرى هناكَ شعرت براحة الأبدية، ودعت أخيلة الليل وأشباح النهار، انسجمت ُ مع الطبيعة الترابية بين ثنايا قبري ومن حولي رملٌ ورمل ٌ ودودةٌ حقيرة تهش في لحمي الذي مال الى النتانة فتخر عظامي أمام الدود ِ باكية ً مستلهمة الصبر من البرزخ الذي ضمني بقوة.
في حدائق الموت بعد أن انتهت الديدانُ من وجبة العشاء، بقيتُ عظاماً نخرة فرت من قسورة، صرت روحاً داخل المتاهة شاخصا ً في الظُلم التي كفنتني من كل حدبٍ وصوب، في وسط الظلمة اشتعل ضوء ابيض اشتعل ليؤنس علي وحدتي تلك نظرت اليه حاولت الاقتراب منه، فهو مثل الكلمات يتلوى أمام ناظري، سألته: من أنت؟
قال : انا قليل ٌ من شعرك وحديثك عن الجنون، أنا صفاء قلبك الذي أحب الكون والنار والنور، انا مجيبك في ظلمة الدياجي ووحدة القبر.
تهتُ لهنيهة، شردت ُ خلسة ً عنه الى أول قصة حدثتها للموت مطالباً اياه بانتشالي من رحم الحياة، فلم يتردد الموت ملبياً، مجيبا ً لكن حالة الخوف التي اعترتني داخل البرزخ كانت شبيهة باجتزاز السيف لعنق الصبا بزند الجزار ، واقتصاص المقصلة من الجبناء، ورجم الشريعة للزناة العصاة، وردم المباني فوق المتعبدين على بلاط الشهداء.
تماما ً كانت حالتي وأنا مغشيا ً علي تشبهُ الثمالة َ بدون خمرة ، والبرودة بدون ثلج، والاحمرار بدون حرارة، استفقتُ في برهة الذعر تلك ورددت: تعال يا موت، هلمَ اخذا ً يدي اليك، هلم يا موت رافعاً روحي الى مليكها، هلم لمحاسبتي على كتابة اول حرف ٍ في هذه السطور...
القسم:
هذيان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
المشاركات الشائعة
-
تتاهفتُ الأشياءُ على الأرضِ فتسقطَ السقوط الحرِ من العلاءِ الذريويّ الى الهبوطِ في الرحيلِ من حديقةِ الوادي، آن ذاكَ شطحتُ في استرسالِ...
-
مقالة تقرأ بأقل من ثلاث دقائق...! قررتم الانفصال: هل فكرتم قبل اتخاذ القرار؟ فتى في الثالثة عشر من عمره : " ابي ! امي !!؟ هل تسمعون...
-
عُرس اليمامْ اقرأ ، وتمتع ...! استمع للفيديو اثناء القراءه قراءه ممتعة ... ! في عُرس ِ اليمام ِ كتبتُ، أني الى الجنان ِ ... آ...
0 من التعليقات:
إرسال تعليق