تواصل معي facebook

الارشيف

احصائيات

المتابعون

PostHeaderIcon بنت الرماد



ليلة ٌ ماطرة، تعصفُ فيها الرياح من كل جانب، وتطرق النوافذ مسامع الصمت ِ والحدائق ُ الجميلة ُ مبللة ً مزجاةً بالماء ِ الشفاف ُ الذي يعكس ُ سماء َ تلك الرابية البعيدة في ساحل حيفا أمام البحر ِ الأبيض المهتاج ِ الثائر على الطبيعة بغرور وضراوة منقطعة النظير.
في تلك الليلة ولدت الطفلة الحرام خليط موت الشرف والزنى البغيض، خرجت الى النور صارخة ً الى العالم ما ذنبي ما جرمي الذي اقترفته اني ابنة الخطيئة ِ في أرض السلام ومعقل الأنبياء.
ليلة ٌ اغترب فيها العناق ُ بين الفينة والأخرى وراحت الأم تشهق ُ روحها وجسدها النحيل يتخافت برهة ً برهة، وشحوب قدميها المعلنة عن الفقر ِ المدقع والمأساة اللعينة التي حطت عليها في تلك الأيام الغابرة التي محاها طيّ الصفحات من الدهر ِ وعبور الشطحات ِ في الزمن.
كانت بنت الرماد صبية عذراء تحمل الأنوثة على بساط الجمال، وتمشي مثل غصن الزيتون، شعرها مغترب عن العالم ِ بتفرده الغريب، قوامها انتفاضة ُ الكلمات في عرس الحياة، وأسمها كان ماريا بنت رابية، هكذا عرفها الناس ُ على ذاك الساحل، كانت تعرف ُ بأناقتها النسائية وحُسنها العجيب، كلما مرت عن الرجال استفاق بهم شهد الحب فرجع الشباب فيهم ونهض الجمال ُ بين اعينهم يتلاعب ُ مثل راقصة ٍ غجرية ودورانها أمام ِ النار الاهجة باسماء الغزل وتشاكيله.
مشت ماريا مرةً في مرار الأيام تتذكر ُ حكايتها مع الشمس حينما كانت تقفُ في المرج عند الرابية التي اشتهرت باسم شجرة السنديان، وقفت هناك متذكرة قدومه على جواد الحب، جاء يمتطيه ويهز برأسه ونظراته تلاحق خصرها، فصدرها، فوجهها، فاشتاط من محاسنها ونهض فيه ثوران الحب ِ مع دقات القلب ِ وارتعاشة صدره.
نزل عن جواده فقال : متى ضحك القمر لبعض الفقراء؟ متى صار الحب ُ في قلبي يمطر ُ من حسنك ِ مولاتي؟
استغربت حديثه، يحدثها كشاعر ٍ سرمديّ، ينطق بأغاني الأصفهاني، يتمتم ُ بشعر ِ عمر ابن ربعية، في كلماته الخفيفة استرق َ فؤادها ونظراته الباسلة التي تشبه عقاب يخاطب قبرة بجناحيه المنفردة امام الريح العاتية.
قالت له : أنا ماريا يا ابن القصيدة الشعرية، أنا ملء الحنان ِ والشغف أخالك قيصرا ً من اللوز وسط وشيعة النرجس المخضر في ملاقاة الربيع.
نرجسية الموقف وجنون الحب في تلك اللحظات بعثت بجاذبية السحر الحلال فاقتربا من بعضهما الى قبلة استرقت الموقف دون شعور بالذات وبخطورة الزلة، فصار بينهما الحدث الأكبر وجائت لعنة ُ الله نازلة ً من السماء في رحم ماريا واستسلامها امام سحر الحب.
لكنه بعد هذا اليوم لم يظهر في الأروقة القديمة ولا في المداخل في تلك القرية النائية فقط جنى ثمرة الحب اللئيم َ ورحل َ تاركا العار َ على بنت الرماد التي حملت اسمها هذا بعد ان فاح غبار حرامها ودنس شرفها في جميع المعمورة.
هكذا هي الخطيئة ُ يسوقنا اليها الحب المتزين بالبرأة والشغف، هي الحرام الذي سطره الله في حكمته ولكن البشر يتركون شيطانية الجمال تاخذهم الى العار المستعجب في اعينهم، لكن جهنم الأبدية تنتظرهم ليكون فيها اخر رفاتهم واخر مكان يرون فيه السعادة، يرون فيه اسواط العذاب تجلد ُ ظهروهم فيموتون عذابا ً وحرقة في كل ساعة، يندمون على فعلتهم لحظة مجيء الموت الى ميدانهم ليسلب منهم حقهم في الحياة...  


.

0 من التعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

اخر التعليقات

متابعين حول العالم